أطفالنا والتربية النفسية
تؤثرالخلافات بين الأب والأم على النمو النفسي السليم للطفل، ولذلك علىالوالدين أن يلتزما بقواعد سلوكية تساعد الطفل على أن ينشأ في توازن نفسي،ومن هذه القواعد:
أولاً: الاتفاق على نهج تربوي موحد بين الوالدين
*إن نمو الأولاد نمواً انفعالياً سليماً وتناغم تكيفهم الاجتماعي يتقررولحد بعيد بدرجة اتفاق الوالدين وتوحد أهدافهما في تدبير شؤون أطفالهم.على الوالدين دوماً إعادة تقويم ما يجب أن يتصرفا به حيال سلوك الطفل،ويزيدا من اتصالاتهما ببعضهما خاصة في بعض المواقف السلوكية الحساسة،فالطفل يحتاج إلى قناعة بوجود انسجام وتوافق بين أبويه.
* شعور الطفل بالحب والاهتمام يسهل عملية الاتصال والأخذ بالنصائح التي يسديها الوالدان إليه.
مثال على ذلك الاضطراب الانفعالي الذي يصيب الولد من جراء تضارب مواقف الوالدين من السلوك الذي يبديه:
زكرياعمره أربعة أعوام يعمد إلى استخدام كلمات الرضيع الصغير كلما رغب في شدانتباه والديه، وبخاصة أمه إلى إحدى حاجاته فإذا كان عطشاً فإنه يشير إلىصنبور الماء قائلاً: "أمبو.. أمبو" للدلالة على عطشه.
ترى الأم في هذا السلوك دلالة على الفطنة والذكاء لذا تلجأ إلى إثابته على ذلك، أي تلبي حاجته فتجلب له الماء من ذاك الصنبور.
أماوالده فيرى أن الألفاظ التي يستعملها هذا الولد كريهة، فيعمد إلى توبيخهعلى هذا اللفظ الذي لا يتناسب مع عمره. وهكذا أصبح الطفل واقعاً بين جذبوتنفير، بين الأم الراضية على سلوكه والأب الكاره له ومع مضي الزمن أخذتتظهر على الطفل علامات الاضطراب الانفعالي وعدم الاستقرار على صورة سهولةالإثارة والانفعال والبكاء، وأصبح يتجنب والده ويتخوف منه.
ثانياً: أهمية الاتصال الواضح بين الأبوين والولد
* على الوالدين رسم خطة موحدة لما يرغبان أن يكون عليه سلوك الطفل وتصرفاته.
شجعطفلك بقدر الإمكان للإسهام معك عندما تضع قواعد السلوك الخاصة به أو حينتعديلها، فمن خلال هذه المشاركة يحس الطفل أن عليه أن يحترم ما تم الاتفاقعليه؛ لأنه أسهم في صنع القرار.
علىالأبوين عدم وصف الطفل بـ(الطفل السيئ) عندما يخرج عن هذه القواعدويتحداها، فسلوكه السيئ هو الذي توجه إليه التهمة وليس الطفل، كي لا يحسأنه مرفوض لشخصه مما يؤثر على تكامل نمو شخصيته مستقبلاً وتكيفهالاجتماعي.
مثالعلى المشاركة في وضع قواعد السلوك: هشام ومحمد طفلان توأمان يحبان أنيتصارعا دوماً في المنزل، وهذه المصارعة كانت مقبولة من قبل الوالدينعندما كانا أصغر سناً (أي: في السنتين من العمر) أما في عمر أربعة أعوامفإن هذا اللعب أضحى مزعجاً بالنسبة للوالدين.
جلسالوالدان مع الطفلين وأخذا يشرحان لهما أن سنهما الآن يمكنهما من أن يفهماالقول، ولابد من وجود قواعد سلوكية جديدة تنظم تصرفاتهما وعلاقاتهماببعضهما.
بادرالولدين بالسؤال: هل يمكننا التصارع في غرفة الجلوس بدلاً من غرفة النوم؟هنا وافق الأبوان على النظام التالي: المصارعة ممنوعة في أي مكان منالمنزل عدا غرفة الجلوس.
* عندما يسن النظام المتفق عليه لابد من تكرار ذكره والتذكير به، بل والطلب من الأطفال أو الطفل بتكراره بصوت مسموع.
كيف تعطى الأوامر الفعالة؟
"أحمد، أرجوك.. اجمع لعبك الملقاة على الأرض وارفعها إلى مكانها".. عندما تخاطب ابنك بهده اللهجة فمعنى ذلك أنها طلب.
أماعندما تقول له: "أحمد، توقف عن رمي الطعام أو تعال إلى هنا وعلق ملابسكالتي رميتها على الأرض" فإنك تعطيه أمراً ولا تطلب طلباً.
*يتعين على جميع الآباء إعطاء أوامر أو تعليمات حازمة وواضحة لأطفالهم،وبخاصة الصعبين منهم إزاء سلوكيات فوضوية أو منافية للسلوك الحسن، وليساستجداء الأولاد والتوسل إليهم للكف عنها.
*إذا قررت الأم أن تطبق عقوبة الحجز في غرفة من غرف المنزل لمدة معينة(وهذه عقوبة فعالة في التأديب وتهذيب السلوك) عليها أن تأمر الولد أوالبنت بتنفيذ العقوبة فورا وبلا تلكؤ أو تردد. الأمر الذي نعنيه ليس معناهأن تكون عسكرياً تقود أسرتك كما يقود القائد أفراد وحدته العسكرية، وإنماأن تكون حازماً في أسلوبك.
متى تعطى الأوامر للطفل؟
تعطى الأوامر للطفل في الحالتين التاليتين:
1- عندما ترغب أن يكف الطفل عن الاستمرار في سلوك غير مرغوب، وتشعر أنه قد يعصيك إذا ما التمست منه أن يتخلى عنه.
2- إذا وجدت أن على طفلك إظهار سلوك خاص، وتعتقد أنه سيعصيك لو التمست منه هذا إظهار هذا السلوك.
كيف تعطى الأوامر للطفل؟
لنفترضأنك دخلت غرفة الجلوس فوجدت أحمد، ابنك الصعب القيادة، يقفز على مقاعدالجلوس القماشية قفزاً مؤذياً للفراش الذي يغلف هذه المقاعد، وقررت إجبارالولد على الكف عن هذا اللعب التخريبي.
هنا تعطي تعليماتك بالصورة التالية:
1- قطب وجهك واجعل العبوس يعتلي أمارات الوجه.
2- سدد إليه نظرات حادة تعبر عن الغضب والاستياء.
3- ثبت نظرك في عينيه وناده باسمه.
4-أعطه أمراً حازماً صارماً بصوت قاس تقول فيه: "أحمد.. أنت تقفز علىالمقاعد، وهذا خرق للنظام السائد في البيت.. كف عن هذا السلوك فوراً ولاتقل كلمة واحدة".
5- يجب أن يكون الأمر واضحاً وغير غامض.
مثال:إذا أمرت طفلك بالصيغة التالية: "سميرة تعالي إلى هنا وضعي هذه الألعابعلى الرف" فإنها بهذا الأمر الواضح لا عذر لها بالتذرع بأي شيء يمنعها منالتنفيذ.
أما لو قلت لها: "لا تتركي الألعاب ملقاة هكذا" فإنها ستتصرف وفق ما يحلو لها عكس مرادك ورغبتك؛ لأن الأمر كان غير واضح.
6-لا تطرح سؤالاً ولا تعط تعليقاً غير مباشر عندما تأمر ابنك أو ابنتك، فلاتقل له: "ليس من المستحسن القفز على المقاعد"، ولا أيضاً "لماذا تقفز علىالمقاعد؟" لأنه سيرد عليك، وبذلك تعطي لطفلك الفرصة لاختلاق التبريرات،فالقول الحاسم هو أن تأمر طفلك بالكف عن القفز دون إعطاء أي تبرير أوتفسير.
7-إذا تجاهل الطفل أمرك وتمادى في سلوكه المخرب ليعرف إلى أي مدى أنت مصرعلى تنفيذ أمرك هنا لا يجب عليك اللجوء إلى الضرب أو التهديد لتأكيدإصرارك على أمرك، فمثل رد الفعل هذا قد يعقد الموقف ويزيد عناد الولدوتحديه لك. الحل بسيط نسبياً: ما عليك إلا أن تلجأ إلى حجزه في مكان ما منالبيت لمدة معينة.
ثالثاً: الأطفال يحتاجون إلى الانضباط والحب معاً
الانضباطيعني تعليم الطفل السيطرة على ذاته والسلوك الحسن المقبول وطفلك يتعلماحترام ذاته والسيطرة عليها من خلال تلقي الحب والانضباط من جانبك.
لماذا لا يتمكن بعض الآباء من فرض الانضباط على أولادهم؟
يجبأن يكون هناك الوعي الكافي لدى الآباء في الأخذ بالانضباط لتهذيب سلوكأطفالهم وإزالة مقاومتهم حيال ذلك، وهذا يتحقق إذا باشروا برغبة تنبع منداخلهم في تبديل سلوكهم.
يمكن إيجاز الأسباب المتعددة التي تمنع الآباء من تبديل سلوكهم بالآتي:
1- الأم الفاقدة الأمل (اليائسة): تشعر هذه الأم أنها عاجزة عن تبديل ذاتها، وتتصرف دائماً تصرفاً سيئاً متخبطة في مزاجها وسلوكها.
مثال:في اليوم الأخير من المدرسة توقفت الأم للحديث عن ولدها أحمد مع مدرسه.هذه الأم تشكو من سوء سلوك ولدها أينما سنحت لها الفرصة لكل من يستمع لهاإلا أنها لم تحاول قط يوماً ضبط سلوك ابنها الصغير، وعندما كانت تتحدث معالمدرس كان ابنها يلعب في برميل النفايات المفتوح.. قالت الأم: أنا عاجزةعن القيام بأي إجراء تجاه سلوك ابني.. إنه لا يتصرف أبداً بما يفترض أنيفعل. وبينما كانت مستغرقة بالحديث مع المعلم شاهد الاثنان كيف أن أحمديدخل إلى داخل برميل النفايات ويغوص فيه ثم يخرج. توجه المعلم نحو أمهقائلا لها: أترين كيف يفعل ابنك؟! فأجابت الأم: نعم إنه اعتاد أن يتصرفعلى هذه الصورة، والبارحة قفز إلى الوحل وتمرغ فيه.
الخطأ هنا:أن الأم لم تحاول ولا مرة واحدة منعه من الدخول في النفايات والعبث بها،ولم تسع إلى أن تأمره بالكف عن أفعاله السلوكية السيئة حيث كانت سلبية،متفرجة فقط.
2-الأب الذي لا يتصدى ولا يؤكد ذاته: مثل هذا الأب لا يمتلك الجرأة ولاالمقدرة على التصدي لولده. إنه لا يتوقع من ولده الطاعة والعقلانية، وولدهيعرف ذلك، وفي بعض الأحيان يخاف الأب فقدان حب ولده له إن لجأ إلى إجبارهعلى ما يكره. كأن يسمع من ابنه: أنا أكرهك. أنت أب مخيف. أرغب أن يكون ليأب جديد غيرك. مثل هذه الأقوال تخيف الوالد وتمنعه من أن يفعل أي شيءيناهض سلوكه وتأديبه.
3-الأم أو الأب الضعيف الطاقة: ونقصد هنا الوالدين ضعيفي الهمة والحيوية،اللذين لا يملكان القوة للتصدي لولدهما العابث المستهتر المفرط النشاط،وقد يكون سبب ضعف الهمة وفقدان الحيوية مرض الأم والأب بالاكتئاب الذييجعلهما بعيدين عن أجواء الطفل وحياته.
4-الأم التي تشعر بالإثم: ويتجلى هذا السلوك بالأم التي تذم نفسها وتشعربالإثم حيال سلوك ابنها الطائش، وتحس أن الخطيئة هي خطيئتها في هذا السلوكوهي المسؤولة عن سوء سلوكه،
5-الأم أو الأب الغضوب: في بعض الأحيان نجد الأم أو الأب ينتابهما الغضبوالانفعال في كل مرة يؤدبان طفلهما، وسرعان ما يكتشفان أن ما يطلبانه منطفلهما من هدوء وسلوك مقبول يفتقران هما